عجبا

سارت هائمة على وجهها على احد كباري القاهرة وقت الغروب...نظرت الى الشمس وهي تغرب...نظرة مودع...واخذت تقترب شيئا فشيئا من السور وفجأة تعثرت قدمها وكادت ان تسقط...فوجدت نفسها تشبث بالسور خوفا من ان تسقط...ومع بحر الدموع فؤجئت بنفسها تضحك سخرية من نفسها...كيف كانت مقدمة على الموت وهي متشبثة بالحياة؟...كيف قررت انهاء حياتها وهي لا تستطيع تركها؟...عجبا لك ايها الانسان وعلى حالك...تعلم ان حياتك ماهي الا محطة عابرة ومع ذلك تضحي بما هو باقي لأجلها
مسحت دموعها وتوجهت الى بيتها دخلت غرفتها دون ان تنطق كلمة واحدة واستعرضت شريط حياتها وانتابتها هيسترية من البكاء المتواصل ..فاستعاذت بالله من الشيطان الرجيم وهمت لتتوضأ وتصلي ركعتين توبة واستغفار وقامت للصلاة ...ارتجف جسدها مع كلمة الله اكبر...فهو لم يكن كبير في قلبها حين قررت تتخلص من حياتها في لحظة شيطان....بدأت في قرأة الفاتحة وتزلزلت عينها من الدموع حين قالت " مالك يوم الدين " تذكرت يوم الدين وتخيلت المنادي وهو ينادي بأسمها قائلا هلم الى الجبار..وركعت وطال ركوعها ودخلت امها لتحاول مصالحتها عن ظلمها لها وسؤ معاملتها السيئة لها ولطمها على وجهها امام زوجها وعائلته لاسباب تافهة ولكن الشيطان له قدرات خارقة امام النفوس الضعيفة وحين وجدتها تصلي انتظرتها حتى تنتهي ...ثم سجدت ولكن طالت سجدتها فاقتربت منها امها لتطمئن عليها ولكن !!!!!!!
لم تستوعب ( رؤى) لماذا تصرخ امها ولماذا تتألم هي هكذا مع كل صرخة..جرت نحوها تستحلفها لتصمت ولكن دون جدوى فهي لا تسمعها او تراها..سمعتها وهي تتصل بزوجها وهي تصرخ رؤى ماتت ....ماتت يا احمد...تصرخ رؤى لا يا امي انا عايشة انا اهو .....حين فقدت الامل ان تسمها امها انتظرت ليأتي احمد زوجها لعله يسمعها وحين جاء احمد فؤجت به باكي العينين ودخل مسرعا لغرفتها ورأيته متوجة لفتاة ساجدة وفؤجت انها هي الساجدة...صدمت صدمة مروعة واخذت تصرخ لتفيق من ذلك الكابوس ولكن صوت نحيب زوجها كان اقوى من صوتها هي رأته لأول مرة يصرخ ويبكي ويضم جسدها لحضنه وهو في حالة انهيار تعجبت لحاله...عاشت معه طول عمرها دون ان تستشعر منه ذلك الحب الذي تراه في عينه...رأها وهي تهان من اجله ولم يفكر ان يدافع عنها او يداوي جرحها حتى...تذكر الان انها زوجته ليضمها بين اخضانه وهي جثة لا حراك لها......وها هي امها التي مزعت كل المعاني لمعنى الامومة واذلتها وهانتها تبكي بحرقة وتصرخ تقول ابنتي....ومن هؤلاء؟....اصدقاء اجمل سنين العمر يأتون ليرونها الان!! وهي التي اعطتهم الكثير ولم تطلب منهم اي ثمن ولم تتمنى سوى ان تشعر حبهم وهم مشغلون عنها بحياتهم...تذكروها اليوم...لماذا؟..ليودعوها؟....لماذا لم تشغلهم الدنيا عنها الان..لانها اصبحت لا شئ؟..عجبا لهذة الحياة
من انتم؟...الى اين تأخدوني؟...اتركوني.....
نحن المكلفون لتوصيلك لدارك الابدي....هيا.....
لالا...انا اريد ان ابقى ..
الم يكفيكي من العمر ما وهبك الله اياه...لا داعي للجدال..هلم معنا...
الى اين سـتأخذوني؟....للجنة وهي كلها امل ام الى النار وهي متخوفة ان تنطق الاسم...
.هذا يعلمه رب العالمين...
اتركوني لأراهم وهم يودعوني...
.لم يتكلم احد من الحراس وذهبو بها الى قبرها ورأتهم وهو يلقون عليها التراب ويدعون لها بالرحمة....ارتجفت من هول مارأت...ندمت على ما بدر منها في حق الله حين حاولت الانتحار...ضحكت على حال الدنيا وكيف يغفل الناس عن قيمة من معهم ويندمون اشد الندم حين يفقدوه...وقبل ان يرحل كل الناس عن قبرها سمعت احدهم :ياريتك ترجعي كنت......ولم تسمع ما قاله ولكنها سخرت من حال الدنيا وبدأ حسابها
تمت

كلمات الامل..اين انتي؟

ابحث بين دفاتري عن ورقة تعيد لي الامل...اعتادت ان ادون ذكرياتي لتكون مؤنس لي حين لا اجد ونيس...وحين ضاقت بي الدنيا وقشرت لي عن انيابها هرولت الى دفاتري القديمة كي احتمي بها...كي اثبت لذاتي ومن حياتي انا بالادلة ان مع العسر يسرا...ولكني لا جدها..لا اجد في دفاتري اي صفحة او كلمة تبعث بي الامل..اشعر وكأن سم الهموم يجري في شرايني...اشعر باهات السنين تتجمع لتفتك بي وانا مكبلة الايدي ...ياربي لا تتركني هكذا...اريد ان اجد اي نقطة بداية
اين انتي يا اوراق الامل؟...انا متأكدة اني دونتك..يا الهي ماهذ؟!! انا ابحث عن امل واجد تلك الورقة...لماذا لا امنع نفسي عن قراءتها؟ ربما لانها ورقة غير عادية...لا استطيع ان انساها...انها يوم وفاته...بل قتله...نعم قتله بالتدريج امام عيني وانا عاجزة عن انقاذة.
لن انسى اخر لحظاته وهو يعيش سقرات الموت وانا اراها معه القنه الشهادة وهو عاجز عن النطق...وفجأة اعلنت كل الاجهزة عن رحيله...تحجرت الدموع في عيني..دخل الاطباء مسرعون نحوه... ويتشبث ابني بقدمي قائلا ببراءة: في ايه يا ماما؟ الناس دي بيغطو وش بابا ليه هو مش عارف ينام من النور؟...احتضنته بشدة وقلت: تعالى يا حبيبي نسيب بابا ينام...فرت مني دمعة وتلاشت في لحظات معدودة حينما وقعت عيني على امه وهي تسالني بقلق وانقبااض: خير يا ملك؟..الدكاترة مالهم؟..هي مش حالة يوسف مستقرة؟...جاوبيني يابنتي في ايه؟...نظرت اليها وقلت بثبات لم اذقه في حياتي مطلقا: البقاء لله يا امي ربنا تقبله منا شهيد.....صرخت امه صرخة مدوية بعد تمتها بدعاء المصيبة واخذت تبكي وتحضن اسلام ابني وفجأة فقدت الوعي..اخذت انادي في ارجاء المستشفى ليأتي احد لنا...وتم نقلها العناية المركزة في حالة خطرة...ذهبت لاختي وطلبت منها ان ترعى اسلام في منزلها لانشغالي انا بجدته لحالتها الخطرة...ثم ذهبت للمستشفى وطلبت من الاطباء ان يتركوني معها وبعد محاولات اخذت موافقتهم...جلست امامها وهي نائمة ولاول مرة منذ وفاة زوجي اعجز عن منع دموعي من الفرار من سجن عيني اخذت ابكي وابكي الى ان شعرت ببكاء احد معي ايضا لأجدها هي...اقتربت منها برفق وقلت لها: ايه يا امي؟..انتي مؤمنة وهو عاش طول عمره عظيم ونحسبه عند الله شهيد في حاجة احسن من كدة؟...وبعدين احنا ملناش غيرك بعد ربنا....وقاطعتني قائلة: اسمعيني يا ملك..انا عارفة ان خملك ثقيل اوي وفي رقبتك طفل غير اللي في بطنك وانا مش حطول بعد يوسف انا حاسة بنفسي يا بنتي...خدي بالك من اسلام وربيه على اللي عاش ومات ابوه عليه...علميه ميخفش وان الحق عمره ما حيضيع...واصبري يا بنتي
ونعمة بالله يا سارة الحمدلله على كل حاجة الله يرحمها كانت انسانة رائعة...وقالت اختي: الله يكون في عونك يا ملك حملك ثقيل بس لازم تكملي الطريق دة انتي مشوارك طويل فقلت لها متخافيش علايا وادعيلي انتي بس
يااااااة مر على تلك الصفحة من ذكرياتي اكثر من عشرون عام....حقا هناك ذكريات في حياتنا حين نعيشها نتخيل ان لا يوجد ما هو اسؤ ولكن في الحقيقة ان الحياة لا تقف عند شئ...ها هي كلمات الامل.. وجدتها...عفوا رأيتها...فانها لم تكن مفقودة ولكن انا حين تملكني الشيطان لم استطيع ان اراها فنظارة الهم المعتمة اعجزتني عن قرأتها فبرغم قساوة موت زوجي الا ان حياتي لم تقف واستطعت ان اربي ابني وجعلت منه اكثر الناس مهارة في مجالة ومجال والدة وزوجت ابنتي وهي الان تنتظر اول حفيد لي
رحمك الله يا زوجي حقا كنت نعم الزوج...لولا ماتعلمته منك في السنوات القليلة التي عشتها معك ماكنت استطعت ان اكمل طريقي فدائما كنت تقول" لا احد يستطيع ان يغير قدرة ولكن كلنا له حق اختيار كيفية التعامل معه...علمتني اختيار الطريق الاصعب لحياة اسعد...وتلك هي كلمات الامل التي تساعدني على عمل الكثير وسط دوامة هموم الحياة
تمت